الاثنين، 19 أكتوبر 2015

الحكة والاسباب


تمثل الحكة عرضا جلديا شائعا لا بد لكل شخص أن يكون قد عانى منه في فترة ما من حياته . عادة ما تكون الحكة عرضا عابرا لا يستدعي مراجعة الطبيب، ولكن في بعض الحالات تصبح مصدرا لمعاناة كبيرة للمرضى تدفعهم إلى الاكتئاب والتفكير في الانتحار. فما هي أسباب الحكة، وكيف يمكن التعامل معها؟

في البداية يجب التمييز بين مجموعتين رئيسيتين : الحكة الناجمة عن مرض جلدي والحكة بدون مرض جلدي ظاهر.

تسبب الكثير من أمراض الجلد الحكة، ونذكر أهمها:

الشرى Urticaria :

وهو مرض جلدي شائع جدا، يظهر على شكل بقع وردية متورمة حاكة جدا (تدعى الانتبارات Wheals) تدوم بضع ساعات ثم تزول لتظهر في أماكن أخرى من الجلد، وتترافق أحيانا مع تورم الشفة والأجفان، وفي الحالات الشديدة مع هبوط ضغط الدم وصعوبة التنفس.

يمكن التمييز بين الشرى الحاد الذي يكون عابرا ومؤقتا، والشرى المزمن الذي يستمر أكثر من شهرين.

قد ينجم الشرى الحاد عن التحسس تجاه بعض أنواع الأطعمة كالشوكولا والمكسرات والبندورة والحليب والفريز والفليفلة والبيض والسمك، أو تجاه المواد الحافظة والملوِّنة التي توجد ضمن هذه الأطعمة . في كثير من الحالات يكون الطعام المسبِّب للحساسية مجهولا، لذا ننصح المريض بتطبيق حمية عن مجموعة واسعة من الأطعمة حتى زوال الأعراض ثم البدء بإدخال الأطعمة المشتبه بها بالتدريج لاكتشاف الطعام الذي قد يكون سبب الشرى.

يمكن أن تكون الأدوية سبب الشرى الحاد، ونذكر على سبيل المثال البنسلينات (مجموعة من المضادات الحيوية مشتقة من البنسلين) والأسبرين والمادة الظليلة المستخدمة في التصوير الشعاعي.

يمكن للدغ الحشرات وبخاصة لسع النحل أن يسبب حالات شديدة من الشرى قد نكون مميتة.

من الشائع أن ينجم الشرى الحاد عن إنتانات فيروسية أو جرثومية كالتهابات البلعوم والتهابات المجاري البولية.

قد ينجم الشرى المزمن الذي يسبب معاناة حقيقية للمرضى، عن الإنتانات المزمنة وبخاصة التهابات الكبد الفيروسية B و C والإنتانات الطفيلية كالإصابة بالديدان، أو في سياق بعض الأمراض المناعية التي تصيب الأوعية الدموية وتدعى التهابات الأوعية، إلا أن نسبة كبيرة من حالات الشرى المزمن تبقى مجهولة السبب.

تنجم مجموعة من حالات الشرى المزمن (35%) عن أسباب فيزيائية وتدعى الشرى الفيزيائي، مثلا الناجم عن التعرض للبرد أو التعرض لأشعة الشمس أو الضغط ( يظهر على شكل تورم واحمرار وحكة وألم بعد بضع ساعات من تعرض مناطق من الجسم للضغط كالقدمين بعد المشي لمسافة طويلة أو اليدين بعد حمل أثقال أو أسفل الظهر والإليتين بعد الجلوس لفترة طويلة على مقعد صلب ).

الإكزيما :

هي نوع من الالتهاب الجلدي قد يكون ناجما عن التخريش المتكرر (كإكزيمة ربات البيوت التي تصيب اليدين وتظهر بشكل جفاف واحمرار ووسوف وتشققات، وتنجم عن التعرض المتكرر للماء والمنظفات) أو عن التحسس تجاه مادة تلامس الجلد (كالتحسس للنيكل الموجود في المعادن، مثلا الأزرار المعدنية والأقراط والساعات ). في بعض الحالات تنجم الإكزيما عن أسباب بنيوية (يكون لدى المريض بنية تحسّسية تظهر بشكل إكزيما بنيوية وربو والتهاب أنف تحسسي، مع وجود قصة عائلية لهذه المجموعة من الأمراض).

الجرب :

مرض معد شائع يسببه نوع من الحشرات التي تتطفل على الإنسان فقط يدعى القارمة الجربية، وينتقل بالتماس مع الشخص المصاب أو حاجياته كالمنشفة والأغطية . تبدأ أعراض الجرب بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع من العدوى بشكل حكة شديدة ليلية بشكل خاص، مع ظهور تسحجات وحبوب حمراء على الجلد خصوصا بين الأصابع وعلى الناحية التناسلية والبطن وعلى المعصمين والمرفقين وحول الحلمتين عند النساء وعلى الراحتين والأخمصين عند الأطفال. غالبا ما نجد أحد أفراد المنزل أو المخالطين (كما في المعسكرات) مصابا بنفس المشكلة.

لدغ الحشرات :

من الأسباب الشائعة للحكة في بلداننا خصوصا في فصل الصيف . عادة ما تظهر حبوب حمراء حاكة في مركزها نقطة نزفيّة تدل على مكان اللدغة، تتوزع على الأماكن المكشوفة من الجسم، وتسمى الشرى الحطاطي (من الحطاطة papule وهي اندفاع صغير مرتفع عن سطح الجلد) . من أشيع الحشرات التي تلدغ الإنسان البعوض (البرغش) والبراغيث وبق الفراش، وهي حشرات صغيرة تعيش في أثاث المنزل وزوايا الجدران وتلدغ ليلا.

الحزاز المسطح :

هذا المرض ليس معرفا لعموم الناس، ولكنه قد يكون حاكا بشدة، لذا سنذكره بإيجاز.  هو مرض مجهول السبب يصيب نواحي المعصمين والساعدين والبطن والناحية التناسلية والكاحلين والساقين، بشكل حبوب مسطحة لامعة مضلعة الشكل بلون مائل للبنفسجي . قد يصيب الأظافر والأشعار والفم . أحيانا يكون ناجما عن تناول دواء معين أو الإصابة بالتهاب كبد فيروسي C.

في كثير من الحالات تحدث الحكة دون وجود مرض جلدي ظاهر، وقد تستمر شهورا أو سنوات وتسبب للمريض الإرهاق وصعوبة النوم والاكتئاب.

في هذه الحالات يجب البحث عن السبب الكامن وراء الحكة من خلال استجواب المريض بشكل مفصل وفحصه بشكل دقيق، ثم إجراء مجموعة من التحاليل المخبرية والاستقصاءات الشعاعية حسب توجه الطبيب من خلال معاينته للمريض .

تضم أهم أسباب الحكة المزمنة :

المرض الكبدي :

إن التهابات الكبد الفيروسية أو المناعية والتهابات الطرق الصفراوية، كما كل أمراض الكبد التي تنتهي بقصور الخلية الكبدية أو تشمع الكبد تسبب حكة شديدة، يمكن أن تترافق مع يرقان (اصفرار في الجلد وصلبة العين) وأعراض المرض الأصلي، أو تكون معزولة.

المرض الكلوي :

يسبب القصور الكلوي المزمن حكة شديدة أيضا، قد لا ينفع في علاجها سوى زرع الكلية.

الخباثات :

يمكن أن تسبب الأمراض الخبيثة حكة حتى قبل وجود أي عرض آخر يدل عليها . من أهم الخباثات المسببة للحكة مرض يدعى داء هودجكن، وهو نوع من السرطان الذي يصيب الخلايا اللمفية يدعى اللمفوما.

أمراض الغدة الدرقية :

يمكن لقصور الغدة الدرقية أو حتى زيادة نشاطها أن يترافقا بحكة.

عوز الحديد :

في بعض الحالات تكون الحكة ناجمة عن عوز الحديد، الذي يترافق عادة مع فقر دم وشحوب .

الحكة الشيخية :

تصيب الكثير من المسنين، وغالبا ما تنجم عن جفاف الجلد الذي يحصل لدى معظمهم .

حكة الماء :

تحدث بعد دقائق من تماس الجلد مع الماء بغض النظر عن درجة حرارته (بعد الاستحمام مثلا) وتترافق مع إحساس واخز دون ظهور أي اندفاع على الجلد . يمكن في بعض الحالات أن تكون هذه الحكة مقدمة لمرض يدعى احمرار الدم الحقيقي، وهو من الأمراض الدموية الخبيثة، لذا يجب إجراء التحاليل المخبرية المناسبة للمريض الذي يعاني حكة الماء .

الحكة نفسية المنشأ :

في الكثير من الحالات لا يمكن تحديد أي سبب للحكة، وهنا يجب التفكير بالحكة نفسية المنشأ . عادة ما يكون المريض ذا طبيعة قلقة أو وسواسية تتّسم بحساسية زائدة، وتحدث الحكة كنوع من التفريغ للتوتر النفسي الداخلي .

نذكر كمثال عن الحكة النفسية الحكة الشرجية والصفنية (التناسلية) عند الرجال والفرجية عند النساء (بعد استبعاد الأسباب الأخرى كالإصابات الفطرية أو بالديدان أو التخريش الناجم عن استعمال المحارم والصابون) .

المعالجة :

يجب أولا البحث عن سبب الحكة ثم علاجه، مثلا علاج الجرب يكون بتطبيق دهون موضعي ليومين متتاليين فقط، وعلاج الشرى الناجم عن التحسس لطعام ما يكون باجتناب ذلك الطعام.

بالإضافة إلى المعالجات النوعية وفي الحالات مجهولة السبب، تعطى أدوية مهدئة للحكة تدعى مضادات الهيستامين، وهي تتألف من جيلين أو مجموعتين، الأولى تسبب النعاس والتركين لذا يتم وصفها مساء، ويحتاج المريض إلى الابتعاد عن قيادة السيارة والأعمال الآلية الخطرة، أما الثانية فلا تسبب التركين وتستخدم بشكل أساسي في حالات الشرى، وقد تشارك مع أدوية المجموعة الأولى.

يجب تطبيق المطريات كالفازلين خصوصا بعد الاستحمام لترطيب الجلد، إذ كثيرا ما يكون جفاف الجلد عاملا مساهما في حدوث الحكة خصوصا لدى المسنين ومرضى القصور الكلوي المزمن وقصور الغدة الدرقية.

تزداد الحكة عموما في الجو الحار لذا ينصح بارتداء ملابس خفيفة والحفاظ على برودة لطيفة لجوّ المسكن والعمل، كما أن إجراء دوش بالماء البارد يساعد كثيرا في تخفيف الشعور بالحكة.

توجد الكثير من المستحضرات الموضعية المهدّئة للحكة في الأسواق، وتحتوي عادة على مواد مثل Phenol وCrotamiton و Menthol و Capsaicin، وهي مفيدة في الحالات المحصورة بمنطقة معينة من الجلد.

0 التعليقات: